الرئيسية / الاقتصاد العالمي / العراق 52 مليار دولار احتياطيات أجنبية و20.9 فى المئة معدل الفقر

العراق 52 مليار دولار احتياطيات أجنبية و20.9 فى المئة معدل الفقر

  • بقلم: أ. عبد الحافظ الصاوي
  • 25-03-2013
  • 108
العراق  52 مليار دولار احتياطيات أجنبية و20.9 فى المئة معدل الفقر
  • المصدر: موقع الأناضول

في مارس 2003 أنضم العراق ليكون ثاني بلد عربي محتل بعد فلسطين التي طالت نكبتها لما يقرب من سبعة عقود. وتعرض العراق لتدمير بنيته التحتية بشكل كبير، تمثل ذلك في إفساد التربة الزراعية، وتدمير الطرق، وتلوث المياه، بل والهواء جراء استخدام أسلحة محرمة دوليًا  من قبل الأمريكان.

وتعهد الاحتلال الأمريكي بترك زمام إدارة البلاد لأهلها، الذي تفرقوا في أبشع صور الطائفية، ليستقل اقليم كردستان فيما يعرف بالحكم الذاتي، وليعاد تقسيم ثروات البلاد على أسس إقليمية، وهو ما يتنافى مع أبسط مفاهيم وحدة الدولة، وليكرس الاحتلال وجود حالة من الانقسام تدوم لفترات طويلة. وكان الأكثر أهمية في ظل عراق ما بعد الاحتلال عمليات التهجير التي تمت بين المحافظات العراقية على أسس طائفية.

وبلا شك، فالاحتلال هو الاحتلال، له تكلفته التي دفعها الشعب العراقي، وسيظل يدفعها لسنوات طويلة، ما لم تكف القوى الإقليمية والدولية عن اللعب بورقة الطائفية في العراق، لتحقيق مصالحها الخاصة، بالاضافة الى سعى الشعب العراقي لاستعادة لحمته، متناسيًا الطائفية الممقوتة، فليس بديل ديكتاتورية عصر صدام، أن تفرق الطائفية الشعب العراقي.

ويظل الملف العراقي متعدد الأبعاد، السياسية، والاجتماعية، والثقافية، والاقتصادية، ونجد أنه من الضروري بعد مرور عشر سنوات أن ننظر فيما جناه العراق على الصعيد العراقي، بعد وقوعه تحت وطأة الاحتلال في مارس عام 2003.

1-  اقتصاد ريعي

تقدر احصاءات الناتج المحلي الإجمالي للعراق في عام 2011 بنحو 153 مليار دولار، وهو رقم كبير بلا شك عند مقارنته بما كان عليه الوضع فى 2000 حيث لم يكن يتعدى 20.9 مليار دولار، أو في عام 2005 حيث بلع الناتج في هذا العام 36.2 مليار دولار.

وحتى نكون على بينة عند مقارنة الأرقام فلابد أن نأخذ في الاعتبار أنه في عام 2000 كان العراق تحت وطأة العقوبات الدولية، ولم يكن بمقدوره أن يتصرف في أهم صادراته وهو النفط، إلا في إطار ما عرف بـ "النفط مقابل الغذاء"، وهو ما يدفعنا لتفسير بداية تصاعد قيمة الناتج المحلي الإجمالي في العراق بدءاً من عام 2005 ليستفيد العراق من الطفرة النفطية التي استمرت خلال الفترة من 2003 – 2008، ومن هنا فعودة تدفق الصادرات النفطية للعراق هي صاحبة الفضل في تعظيم قيمة الناتج المحلي الإجمالي.

وتتأكد هذه الحقيقية من خلال الاطلاع على مساهمة القطاعات الاقتصادية المختلفة في الناتج المحلي للعراق لعام 2011، حيث أتت الصناعات الاستخراجية لتستحوذ على النصيب الأكبر بنحو 99.3 مليار دولار، بينما كان نصيبها الصناعات التحويلية 3.3 مليار دولار، أما الزراعة فكان نصيبها 7.5 مليار دولار، وبلغت مساهمة قطاع التشييد والبناء 8.9 مليار دولار.

وتشير هذه الأرقام على ضعف بنية الناتج المحلي الإجمالي، وتكريس وضع الاقتصاد العراقي ليكون اقتصادًا ريعيًا، فلا يوجد وجه للمقارنة بين مساهمة الصناعات الاستخراجية، والصناعات التحويلية، أو مجمل القطاعات الإنتاجية السلعية الأخرى، فالصناعات الاستخراجية تمثل 81 % من إجمالي القطاعات الإنتاجية السلعية.

ومن المؤشرات السلبية التي تبين مخاوف الاستثمار وحقيقة التنامي الحقيقي للاقتصاد العراقي، فبعيدًا عن العوائد النفطية، نلحظ أن حركة راس المال الخاص في تراجع، إذا ما اعتبرنها كنسبة من الناتج المحلي الإجمالي، فخلال الفترة 2007 – 2011، تراجعت حركة رأس المال الخاص بنحو 1.1 %.

والذي يمكن أن نستنجه من هذا الرقم أن ثقة المواطنين في استقرار الأوضاع العامة بالبلاد بشكل عام، أو على الصعيد الاقتصادي بشكل خاص ضعيفة، على الرغم من أنها الفترة التي أعلن فيها عن تسليم المحتل الأمريكي إدارة أمور العراق لأهله. وكان ينتظر أن تزيد حركة رأس المال الخاص في مكون الناتج المحلي الإجمالي، لا أن تتراجع.

وقد يفهم هذا من جانب أن الدولة الآن في مرحلة إعادة البناء ،وبالتالي فزيادة إنفاقها هو الأمر الطبيعي، ولكن ذلك لا يعني تراجعا في حركة رأس المال الخاص، وخاصة أن من أكبر جرائم الاحتلال الأمريكي بالعراق أنه هدم مؤسسات الدولة، وبالتالي لا يوجد قطاع عام قوي يمكن الاعتماد عليه.

وكانت هذه فرصة ليعيد العراق بناء قطاع خاص وطني قوى يكون شريكا أساسيا في تحمل تبعات التنمية. والملاحظ في هذا الشأن أيضًا أنه لم تُلمس حركة واضحة لعودة الاستثمارات العراقية من دول الجوار لتستقر في وطنها بعد عام 2007، وهو ما يؤكد على دلالة عدم استقرار الأوضاع في العراق.

2-  غياب العدالة الاجتماعية

إذا انتقلنا إلى مؤشرات إيجابية يحققها الاقتصاد العراقي بفضل إنتاجه وصادراته من النفط، مثل تحقيق 39 مليار دولار فائضا في الميزان التجاري لعام 2011، أو تحقيق فائض في ميزان المدفوعات لنفس العام يبلغ 26.3 مليار دولار، أو احتياطيًا للنقد الأجنبي بلغ 52 مليار دولار. فإننا أمام استحقاقات اجتماعية أخرى، مثل ارتفاع معدلات البطالة والفقر. ووضع العراق على مؤشر التنمية البشرية.

 لقد أدى مكون الناتج المحلي الإجمالي الريعي بالعراق إلى عدم خلق فرص عمل حقيقية، وبقاء معدلات البطالة عند 15.4 %، كما أن معدلات الفقر متعدد الأبعاد في العراق تمثل نسبة مرتفعة تصل إلى 14.2 %، ويصل عددهم لنحو 3.9 مليون عراقي. أما السكان المعرضون لخطر الفقر في العراق فتصل نسبتهم لنحو 14.3 % من السكان، كما أن السكان الذين يعيشون تحت مؤشر الفقر المدقع نسبتهم 3.1 % من إجمالي السكان.

ولعل مؤشر الفقر متعدد الأبعاد في العراق يبين مدى غياب العدالة الاجتماعية، ومؤشر الفقر متعدد الأبعاد هو مؤشر مركب يقيس حالة الحرمان في مجالات ثلاثة هي التعليم والصحة والدخل، وشكل الحرمان من التعليم للعراقيين الواقعين تحت هذا التصنيف 47.5 %، والحرمان من تلقي الخدمات الصحية 32.1 %، أما الحرمان من الدخل أو انخفاض مستوى المعيشة فمثل نسبة 20.4 %.

أما ترتيب العراق على مؤشر التنمية البشرية، فحسب تقرير عام 2013، أتت العراق في مرتبة متأخرة 131 من بين 186 دولة، وهذا الترتيب يعني وجود العراق في مرتبة متدنية في قائمة الدول متوسطة التنمية البشرية. ويفرض علينا هذا الوضع مقارنة العراق بغيرها من الدول النفطية في الخليج، إذ تتطابق هياكلها الاقتصادية، من كونها اقتصاديات ريعية، ولكنه مع ذلك استطاعت أن تكون في تصنيف الدول ذات التنمية البشرية عالية جدًا مثل قطر والإمارات، أو تنمية بشرية عالية مثل البحرين والكويت والسعودية.

وحسب بعض البيانات التفصيلية لمؤشر التنمية البشرية للعراق في عام 2013، فإن نسبة السكان الذين يعيشون تحت خط الفقر القومي بالعراق خلال الفترة 2000 – 2012 بلغت 22.9 %.

 كما أن نسبة من يلتحقون بالتعليم الثانوي متدنية حيث تصل إلى 56 % من طلاب التعليم الأساسي، وتنخفض النسبة أكثر في التعليم الجامعي الذي يلتحق به نحو 16 % فقط، ولعل تراجع معدلات الالتحاق بالتعليم الثانوي والجامعي، وكذلك بقاء نسبة الأمية بين البالغين من السكان عند 22 %، من الأسباب القوية لتراجع العراق على قائمة مؤشر التنمية البشرية العالمي.

3-  تنامي الفساد

منذ عام 2003 والعراق يحتل مرتبة متقدمة بين أفسد 10 دول على مستوى العالم، وذلك وفق تصنيف مؤشر مدركات الفساد الصادر عن منظمة الشفافية الدولية، فحسب بيانات تقرير المنظمة لعام 2012 أتى العراق في المرتبة 169 من بين 176 دولة، بينما في عام 2011، كان العراق بترتيب 175.

قد يذهب المرء إلى أن ثمة تحسنا في الوضع العراقي، ولكن حقيقة الوضع أن عدم استقرار الأوضاع السياسية والاجتماعية، هو الذي يؤدي إلى مزيد من الفساد، والسؤال الذي يفرض نفسه، كيف لبلد أجريت فيها انتخابات برلمانية، يفترض فيها أنها حرة ونزيهة ثم تحتل هذه المرتبة المتقدمة في الفساد على مستوى العالم.

لم تؤد الديمقراطية الانتخابية في العراق إلى إعمال دولة القانون، إذ أن السائد هو الولاء للطائفية في تولي الوظائف الحكومية، وتقديم أهل الثقة على أهل الخبرة، مما ولد هذه الأجواء المشبعة بالفساد.

4- مهاجرو العراق

من أكبر مآسي الشعب العراقي من وقوع دولته تحت الاحتلال مطلع عام 2003، حركة الهجرة التي تمت لخارج العراق، حيث تشير بيانات تقرير التنمية البشرية العالمي لعام 2013 إلى وجود نحو 1.6 مليون لاجئ عراقي في الخارج، يمثلون 4.9 % من إجمالي السكان في عام 2010.

ومعنى ذلك أن العراق ، بعد أن تركت أمريكا أمر إدارته لأهله، فشل في تحقيق الاستقرار السياسي والاجتماعي الذي يمكن هؤلاء المهاجرين من العودة لوطنهم، وبخاصة أن نسبة كبيرة منهم موجودون الآن في دول الجوار التي تعاني من حالة من الاضطراب السياسي، مثل سورية أو الأردن.  

لا يعني بأية حال سرد هذه السلبيات على أداء الاقتصاد العراقي، وأن الأفضل للعراق أن يكون تحت قبضة الديكتاتور الراحل صدام حسين، ولا تحت وصاية الاحتلال الأمريكي، ولكن كل عربي يأمل أن يبنى الاقتصاد العراقي بشكل صحيح، وأن يؤتي ثماره على أهله أولًا، وأن يُضاف كلبنة قوية إلى مصاف الاقتصاديات العربية، التي نسأل الله لها العافية في القريب العاجل.